منذ أمد ليس ببعيد .. وقت إندلاع الحرب علي لبنان .. حرب تموز الأخيرة
مازلت أذكر تلك الأيام جيدا , كنت أفيق من نومي لأقرأ كل جريدة وأتابع كل خبر , كل دقيقة أتساءل كم قتل من جنودهم , كل دقيقة أدعو الله أن يثبت المقاومة , بين الجزيرة والمنار لحظة بلحظة أقف متابعا راجيا النصر
أحلم بصواريخ سيد المقاومين تدك تل أبيب , أردد خلفه بحماسة وإنتظار
لحيفا وما بعد بعد حيفا
إفعلها يا سيد حسن , إقتل الغاصبين والقتلة والظلمة
إفعلها سيدي تربت يداك , فكرهي لظلمهم أعظم من أي شيء
كنت في تلك النشوة والزهو
كأنني أمسك بتلك البندقية التي تحصد الظالمين , لله درّك يا حسن
ثم جاء ذلك اليوم , وكأنه مضي من دقيقة واحدة
مذبحة قانا الثانية
لا أدري وقتها ما أصابني
صببت كل غضبي وشتائمي علي الظالمين ثم دمعت عيناي كثيرا وأنا أتابع تفاصيل الأحداث وأشاهد أشلاء الصغار
مازلت لا أدري ماذا أصابني
جلس بجواري وقتها ذاك الشيطان لا أدري أم الملاك
أرأيت ما فعل سيدك ؟ ماذنب هؤلاء , ما ذنب لبنان لتدمر وتعود للخلف عشرين عاما
من أسماها حرب ومن أشعلها ؟ ما مبرر سماحته ؟
فعلها ليستبق ضربة إسرائيلية ... فيخطف جنودهم ويعجّل بالضربة ؟
أم فعلها ليخفف عربدة إسرائيل في غزة .. لأجل فلسطين ؟
إذن فأين كان سيدك وشارون يدنس المسجد , أين كان و جنين تدهس بأهلها تحت الدبابات , أين كان وعرفات محاصر بالدبابات , أين كان في رام الله وبيت لحم والخليل وغزة أليس هو الرجل الوحيد الذي أنهي عصر هزائم العرب من إسرائيل , أليس هو من صوّروه واقفا وكأنه يقول
"يا منطقة ما فيكي راجل "
أين كان لخمس سنوات منذ الإنسحاب و إلي أن قامت حرب تموز ؟
أين كانت صواريخه وعتاده ورصاصه ؟ أكان السيد في هدنة ؟
...
أصبحنا رواد في صناعة الكذب بل و أصبحنا رواد في تصديقه وتعليمه جيلا بعد جيل , نتوارثه , حتي وصل الكذب لأحلامنا فساءت وشاخت وماتت بداخلنا .. فالأحلام الصادقة وحدها فقط .. تعيش وتحيا وتثمر واقعا
...
منذ مدة ليست ببعيدة
كانت مشاركة في أحد الحلقات النقاشية الإفتراضية
أردت طامحا وطامعا أن يكن هناك رجلا رشيدا يفهم ويناقش لا أن يردد كالبغبغاوات ما يملي عليه
لبنان هي الخاسر الوحيد وحزب الله سيجني ضريبة الإنتصار
وقتها كان سماحة السيد يخطب ويحشد تياره ومريديه وحلفاؤه للإعتصام الغير محدد المدة
ومعارضوه يردون الإعتصام برفض والخطب بخطب والتظاهرات بتظاهرات
وقتها كانت لبنان تتألم
حرب إجبارية زجّ به فيها , سقط المئات , دمرت بنية تحتية , خسرت المليارات , عادت عشرين عاما للخلف
وقتها كانت لبنان لتخرج لألم جديد
إنقسامات وتظاهرات و إعتصامات من كل جانب .. الكل يبحث عن نفسه , عن نصيبه لا عن لبنان
الكل يحلم بجزء من الكعكة اللبنانية , بأي وسيلة
كل ما أردته أمنية الإتفاق وحقن الدماء حتي لا تعود الفتنة تلقي بظلامها علي لبنان
فقد أحسست وقتها بأن الوضع سيعود لمنتصف السبعينات ليتكرر ويعيد التاريخ نفسه
وها هي الأن .. تهم الخيانة أصبحت توزّع مجانا في بيروت من الطرفين .. معنا أم خائن وعميل
سلاح المقاومة الشريف وجّه للداخل وإقتتال يدور بين بني الوطن الواحد , لم يجني منه اللبنانيون غير الترويع والعزلة في بيوتهم والبكاء علي حلم السلام والهدوء
الكل من وجهته يعمل لأجل لبنان وكل الحجج والمبررات موجودة
لك الله يا لبنان
أبديت رأيا ولم أسيء لشخص ولا كيان وحفظت و إلي اليوم لجميع الأطراف الإحترام ولكن ليس عندي لسماحة السيد وحزبه عصمة وليس عندي للسيد سعد الحريري وتياره عصمة
فقط العصمة لدماء الأبرياء
و لأني صغيرا ساذجا وحمارا أحمقا كما قيل وجب تأديبي
أتهمت بأني وهّابيا متشددا يكره الشيعة , ثم أتهمت بأني علمانيا متحررا كاره لكل ماهو إسلامي , وكم هو غريب أن أصبح وهّابيا وعلمانيا في وقت واحد , ثم كان إتهامي الأهم بكوني مصري وبلدي تقيم سلاما حكوميا مع إسرائيل فكيف أفهم الشرفاء وأنا العميل الخائن المهادن
وقتها فقط أدركت أن صناعة الألهة قد عادت
...
إن إشتياق هذه الأمة لنصر جعلها تغرق في تاريخها لا لتعايشه وتطبقه بل لتحلم به , فتحول حلمها لوهم كاذب فإنخدعت بكل ناعق وداع و أصبح البطل هو الأعلي صوتا وصراخا, صنعوا من الوهم رداء البطولة ليلبسونه أبطالا من ورق , ثم جعلوهم ألهة تأمر وتنهي ولا تقول إلا صوابا
ولك الله يا لبنان